تقع مدينة مكة المكرمة على السفوح الدنيا بجبال السروات، فهي تمثل نقطة الالتقاء بين تهامة وهذه الجبال، ويعدها المؤرخون تهامية، وتحيط بها الجبال، من جميع جهاتها، غير أن لها منافذ سهلة تربطها بمدينة جدة على البحر الأحمر.
أما موقعها الفلكي: فهو على درجة عرض (19 25 21) شمالاً, وخط طول (36 ً 49 َ 39 ْ) شرقاً، وترتفع عن سطح البحر مقدار (300) متراً.
ولقد كان لهذا الموقع أهمية كبرى تتمثل في الأمور التالية:
1-فهي مدينة دينية تجارية منذ أقدم العصور، فقد حظيت بأول بيت وضع للناس.
2-تقع على الطريق الرئيسي في خط القوافل بين اليمن والشام، مما أكسبها خصائص ومميزات لا تنافسها فيها مدينة أخرى في شبه جزيرة العرب.
3-تمثل حلقة اتصال بين الحضارات الشمالية والجنوبية، ولم تكن في يوم ما في عزلة جغرافية كالتي عاشت فيها كثير من مناطق الاستقرار الكبرى في العالم.
4-أصبحت بساحلها على البحر الأحمر بوابة لوسط شبة الجزيرة العربية ومدخلاً طبيعياً إليه.
5-موقعها جعلها تصل المسافة بين الخليج العربي شرقاً والبحر الأحمر غرباً، وكان لهذا الموقع أهمية كبرى لحياة قريش التجارية، فقد استطاعت أن تتصل بسهولة بداخل شبه الجزيرة العربية من ناحية، وبموانئ ساحل الخليج العربي من ناحية أخرى.
ولقد زاد من أهمية هذا الاتصال ما كانت تعانيه مكة (ومدن الحجاز الأخرى) من عدم قدرتها على إعالة سكانها أو الوافدين إليها للحج والتجارة، ولكنها بفضل موقعها أمكنها الحصول على كميات إضافية من الطعام مقابل الخدمات التي تقدمها للقوافل المارّة.
المظهر التضاريسي الذي يضفي على مكة المكرمة هو منظر الكتل الجبلية السوداء الداكنة ذات التركيب الجرانيتي الذي يهيمن على المنطقة.
وتقع مكة حرسها الله على سفوح هذه الكتل الجبلية التي شهدت أحداثاً تاريخية مهمة في فجر الإسلام.
ففي جبل حراء نزل الوحي لأول مرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد جبل ثور أحداث الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام.
وبين هذين الجبلين يقع أخشبا مكة وهما:
جبل أبي قُبيس، وجبل قُعيقعان، وهما اللذان يحتضنان الحرم الشريف والكعبة المشرفة.
وإلى الشرق من هذه الكتل الجبلية تقع المشاعر المقدسة (منى، ومزدلفة، وعرفة).
وبجانب هذا المظهر الجبلي من التضاريس تبدو بطون الأودية.
ففي بطن وادي إبراهيم دعا الخليل عليه السلام بدعائه المذكور في الكتاب المبين ﴿ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بتك المحرم﴾ فسكن الناس بعد ذلك في هذا الوادي وعمروه، ثم تجاوزوه إلى الأودية الأخرى؛ وادي طوى ووادي فخ.
تقع مكة المكرمة في قلب النطاق الصحراوي المداري، ويسودها المناخ الصحراوي الحار الجاف، خاصة في فصل الصيف، حيث تصل درجة الحرارة إلى 48 ، أما الشتاء فيتميز بالدفء والرطوبة، وقد تنخفض درجة الحرارة إلى 18 ْ.
أما الأمطار التي تسقط على مكة المكرمة فهي من نموذج الأمطار الصحراوية التي تتصف في الغالب بعدم الانتظام، سواء في غزارتها أو في أوقات سقوطها.
ويختلف في مقدار التساقط اختلافاً كبيراً بين سنة وأخرى، غير أن معدل هطول الأمطار السنوي يتراوح بين (80) ملم و(125) ملم تسقط في فصل الشتاء، وهو الفصل الممطر الرئيسي في العام.
أما الرياح فإن اتجاهها متغير في مكة، وهي تتأثر بالرياح الشمالية الغريبة، والشمالية الشرقية، كما تتأثر من وقت لآخر برياح جنوبية غربية.
قام أحد الباحثين العرب المسلمين، وهو الدكتور حسين كمال الدين، قبل ما يزيد على أربعين عاما بإعداد خريطة جديدة للكرة الأرضية، يحدد من خلالها اتجاهات القبلة للصلاة، وذلك لحاجة المسلمين إلى معرفة اتجاه القبلة للصلاة، ويكونون في أماكن بعيدة عن المساجد، أو في بلاد غير المسلمين، وتوصل في دراسته إلى أن مكة المكرمة هي مركز الأرض، وتعد منتصف العالم، إذ يقول: بعدما وضعت الخطوط الأولى في هذا البحث ورسمت عليها القارات الأرضية، وجدت أن مكة المكرمة مركز لدائرة تمر بأطراف القارات الأرضية، أي أن الأرض اليابسة على سطح الكرة الأرضية موزعة حول مكة المكرمة، وفي هذه الحالة تعد مركزا للأرض اليابسة. وصدق الله العظيم إذ قال سبحانه وتعالى: ﴿ وكذلك أوحينا إليك قرءانا عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه......﴾ الشورى: 7
وقد أيد ذلك الصور التي أخذت حديثاً للحرمين الشريفين بواسطة الأقمار الصناعية.
ولهذا فقد اختارها الله سبحانه وتعالى هذه البلدة لتكون مقراً لبيته الحرام ومنطقاً للرسالة السماوية، حيث إنها مركز الدائرة، فموقعها وما يحيط بها يجعلها جديرة بأن تكون مركزاً لدعوة تعم العالم، وتخاطب الأمم بأجمعها، وهي دعوة خاتم النبيين الذي بعث إلى الناس كافة.
وهذه نتيجة غير مستبعدة؛ لأن الله سبحانه وتعالى اختار هذه البقعة من الأرض كلها ليجعلها موضع بيته الأمين، فكان عباده من الأنبياء والمرسلين وغيرهم يحجون إليها، من لدن آدم عليه السلام، وإلى أن تقوم الساعة.
المراجع:
مكة المكرمة دراسة في جغرافية المدن، د/سمير الدسوقي.
مقدمة كتاب: مكة المكرمة في شذرات الذهب اختار وتصنيف وتحقيق د/ عبد العزيز صقر الغامدي ، د/ محمد محمود ، معراج مرزا
بحث بعنوان: الاسقاط المكي للعالم، منشور ضمن بحوث المؤتمر الجغرافي الاسلامي الأول (5/402) .