إنها دعوة نبوية كريمة؛ وحثٌّ نبوي على كثرة التردد إلى بيت الله تعالى؛ بقصد لإكثار من الطاعات والعبادات؛ قبل أن يحال بين العباد وبينه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اِستَمْتِعُوْا بِهذَا البَيت فَقَدْ هُدِمَ مَرتين، ويُرْفَعُ في الثالثةِ) [رواه البزار وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة].
ففي هذا الحديث الشريف يُحفِّز النبيُّ صلى الله عليه وسلم المسلمين -وبخاصّةٍ أهل مكة؛ ومن جاورها- في مبادرة الأنفاس عند البيت الحرام صلاةً وطوافًا، فقد هُدِم مرتين، ويوشك أن يُرفع في الثالثة فلا يصل إليه أحدٌ بصلاةٍ أو طوافٍ أو استلامٍ للحجر الأسود، وتقبيله.
ولذلك كان من توجيهات الحديث –كما ذكر المناوي-: الأمر باستغلال الأعمار لساكني هذا البيت وزوّاره، فالاستمتاع به يعني: إعمار البيت بما خصَّه الله به من العبادات كالطواف؛ والحج؛ والاعتمار. [فيض القدير].
قال عليًّ رضي الله عنه: استكثروا من الطواف بهذا البيت ما استطعتم، من قبل أن يحال بينكم وبينه. [رواه عبد الرزاق في المصنف].
ولقد اغتنم السلف رحمهم الله مُقامهم بجوار هذا البيت بكافة أنواع العبادة التي اختصّت به، كما ذُكر عن مفتي مكة وعالمها الجليل عطاء بن أبي رباح أنه أقام في المسجد أربعين سنة يصلّي بالليل ويطوف. [أخبار مكة للفاكهي].
وانقطع بمكة خلق كثير، منهم: محمد بن عبد الله بن زكريا البَعداني، فقد جاور الحرمين نحو ثلاثين سنة، على طريقةٍ حسنةٍ من العبادة؛ وسماع الحديث؛ والاشتغال بالعلم. [العقد الثمين].
وجاور ابن القيم بمكة، وكانت له أحوالٌ عجيبةٌ في الاستشفاء بماء زمزمَ، والانقطاع بها للعبادة والتأليف والتصنيف. [انظر: مفتاح دار السعادة، وزاد المعاد، ومدارج السالكين].
قال عنه ابن رجب: حجّ مرات كثيرة، وجاور بمكة، وكان أهل مكة يذكرون عنه من شدّة العبادة وكثرة الطواف أمرًا يُتعجب منه. [ذيل طبقات الحنابلة]
فجديرٌ بنا انتهاز فرصة قرار حكومة هذه البلاد المباركة بإعادة السماح بأداء مناسك العمرة بعد توقّفٍ دام قرابة سبعة أشهر؛ بسبب انتشار فايروس كورونا.
قال الشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله: من يتسنّى له الترداد وزيارة هذا البيت؛ فليفعل، ومن كان قريباً منه فليستغلّ هذه الفرصة، ومن كان له مجاورًا له فليستغلّ وجوده في هذا البلد. [شرح الأربعين المكية]بارك الله في الجهود؛ وسدّد الخطى
الباحث بمشروع تعظيم البلد الحرام