لقد أنزل الله تعالى كتابه الكريم ليكون مصدر هدايةٍ للناس، وجوانب الهدايات التي تضمنتها الآيات القرآنية كثيرة ومتعددة، منها تلك المتعلقة بآيات التعظيم والمناسك.
وفي هذا المقال سنحاول تلمّس بعض جوانب الهدايات التي تضمنها قول ربنا عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 28].
في هذه الآية الكريمة ينهى الله تعالى المؤمنين من تمكين المشركين من دخول مكة -شرّفها الله- ولو كانوا حُجّاجًا أو معتمرين بعد العام التاسع من الهجرة، لأن مكة بلدة طيبة مباركة، لا يليق بها أن يسكنها أو يفد إليها إلا الطيبون، ولما كان المشرك متنجّسًا بتلبّسه بالشرك= منع الله تعالى المؤمنين من تمكينه من قربانها؛ فضلاً عن الإقامة فيها وسكناها.
وفي أثناء ذلك يلقي الطمأنينة في قلوب المؤمنين، ويزيل من نفوسهم مخاوف انقطاع الموارد التموينية التي كانت تأتي إلى الحرم بتجارة المشركين، ويعلمهم أنهم إن خافوا -من جرّاء منعهم- فقرًا؛ بسبب قلّة جلب الأقوات وأنواع التجارات التي كان المشركون يجلبونها؛ فسوف يعوّضهم سبحانه ويغنيهم من فضله وعطائه بوجه آخر، وييسر لهم موارد العيش والرزق والكسب، فالله عليم بأحوال عباده وبما يكون في المستقبل من غنى وفقر، حكيم فيما يدبّره لهم وفيما يشرّعه لهم من أمر ونهي.
وقد أفادت هذه الآية الكريم: النهي عن تمكين المشركين من دخولها مكة، لأنها بلد طاهر طيّب أُسّس على التوحيد، لا ينبغي أن يُعمر إلا بأهل الإسلام والإيمان وأعمالهم الطيبة، والمشرك نجس؛ فلا يجتمع الطهر والنجس، وأن الرزق ليس مقصورًا على باب واحد؛ ومحل واحد، بل لا ينغلق باب إلا وفُتح غيره أبواب كثيرة، فإن فضل اللّه واسع، وجوده عظيم، خصوصا لمن ترك شيئا لوجهه الكريم، فإن اللّه أكرم الأكرمين، كما أفادت الآية تحميل الناس مسؤولية حفظ حرمات الحرم؛ وعدم التهاون في ذلك بأيّ شكلٍ من الأشكال.