عن عبدِ الله بنِ عمرَ رضي الله عنهما قال: أخذ عمرُ جُبَّةً من إستبرق تُباع في السوق، فأخذها فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله، ابْتَعْ هذه؛ تَجَمَّلُ بها للعيد والوفود. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما هذه لِباس من لا خلاقَ له)([1]).
قال ابن رجب: وقد دل هذا الحديث على التجمل للعيد، وأنه كان معتادًا بينهم([2]).
وعن نافع: أن ابن عمرَ رضي الله عنهما كان يلبس في العيدين أحسنَ ثيابِه([3]).
عيدان لأمة الإسلام يشرع للنَّاس فيهما إظهار الفرح بنعمة الله تعالى، إذ كل عيد منهما سواء الفطر أو الأضحى يأتي إبان موسم عبادة، وعند إنجاز طاعة، حتى يكون الفرح بالقرب منه سبحانه.
نصوص من القرآن الكريم:
1- قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون﴾ [البقرة:185].
2- قال الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى:14-15].
الفرح بالعيد فيه معنى الفأل بقبول الطاعة، والفرح بإتمام العدة التي افترضها الله تعالى على عباده صيامها. ولأن العبد مجبول على عدم الكمال كان تشريع صدقة الفطر يخرجها العبد جبرًا لما قد يكون من نقص؛ وسدًا لما قد يكون من خلل. ولأجل إدخال السرور على الفقراء والمحتاجين حتى يعمّ الفرح المجتمع المسلم برمّته.
نصوص من السنة
1- عن أنس رضي الله عنه قال : قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية، فقال: (إن الله تبارك وتعالى قد أَبْدلكم بهما خيرًا منهما؛ يومَ الفطر، ويومَ النحر)([4]).
2- وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تُغَنِّيانِ بما تَقَاولتِ الأنصارُ يومَ بُعاثٍ([5]) - قالت: وليستا بمُغنِّيتين - فقال أبو بكر: أَمزاميرُ الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وذلك في يومِ عيد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر، إنَّ لكل قومٍ عيدًا، وهذا عيدُنا) ([6]).
3- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاةَ الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعيرٍ، على العبدِ والحرِّ، والذكرِ والأنثى، والصغيرِ والكبيرِ من المسلمين، وأمر بها أن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة([7]).
4- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهْرةً للصائم من اللغوِ والرَّفَثِ، وطُعْمةً للمساكين، من أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات([8]).
5- وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يومَ الفطر حتى يأكلَ تَمَراتٍ. وفي رواية: ويأكلُهن وِتْرًا ([9]).
مضت سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يأكل تمرات يقطعهن على وتر حين إرادته الخروج لصلاة العيد، ويخرج صدقة فطره قبل الصلاة، صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير أو صاعًا من قوت البلد يغني به الفقراء عن السؤال يوم العيد الذي يشرع فيه إظهار الفرح.
نماذج عملية
- كان ابن عمر رضي الله عنهما يُكَبِّر إذا غدا إلى المُصلَّى يومَ العيد([10]).
- وعن عبدِ العزيزِ بنِ يَحيى، قال: سألت عبدَ اللهِ بنَ نافعٍ: كيف كان مالكٌ يفعل في التكبير؟ قال: كان مالكٌ يُكَبِّر إذا أتى المصلى حتى يجيءَ الإمام([11]).
- وقال ابن المُسَيِّب: كان المسلمون يأكلون يومَ الفطرِ قبل الصلاة، ولا يفعلون ذلك يوم النحر ([12]).
- وقال مالك: كان الناس يُؤمَرون أن يأكلوا قبل أن يَغْدوا يومَ الفطر، وعلى ذلك أدركتُ الناس ([13]).
- عن أبي قِلابةَ قال: كان يُعْجِبُهم أن يُعْطُوا زكاةَ الفطر عن الصغير والكبير، حتى على الحَبَلِ في بطنِ أُمِّه([14]).
- عن أسماءَ بنتِ أبي بكر رضي الله عنها أنها كانت تُعطي زكاةَ الفطر عمَّن تَمُونُ من أهلها، الشاهدِ والغائبِ، نصفَ صاعٍ من بُرٍّ، أوصاعًا من تمر أو شعير([15]).
إن ديننا دين شامل فيه أنسٌ بطاعة الله تعالى، وانقطاع بالعبادة عن الخلطة بالناس، لكنه أيضًا دين يشرع فيه إظهار الأنس والفرح والسعادة والابتهاج ولبس أجمل الثياب.
وبلغ من أهمية ذلك في ديننا أنه لا يجوز لأحدٍ أن يصوم اليوم الذي شرع الله فيه إعلان الفرح، وأن تضرب الجواري فيه على الدفوف؛ حتى ولو كن في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين جوانب الحجر التي يتنزل فيها جبريل عليه السلام بالوحي آناء الليل وأطراف النهار.
([1]) رواه البخاري (948) ومسلم (2068).
([2]) فتح الباري لابن رجب (8/413).
([4]) أخرجه أحمد (3/103) وأبو داود (1134) والنسائي (1556) وصححه الحاكم في المستدرك (1/434) ووافقه الذهبي.
([5]) بُعاث: بضم الباء، يوم مشهور كان فيه حرب بين الأوس والخزرج. انظر: النهاية في غريب الحديث (بعث).
([6]) أخرجه البخاري (949) ومسلم (891).
([7]) أخرجه البخاري (1503)، ومسلم (984).
([8]) أخرجه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، والدارقطني (2/138) وقال: (رواة هذا الحديث ليس فيهم مجروح)، وصححه الحاكم (1/409) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (1420).
([12]) أحكام العيدين للفريابي (ص 22).