ليس في الدنيا بأكملها مكان أليق بتحقيق الطهر فيه من أول بيت وضع في الأرض لعبادة الله وحده؛ لذا كان الأمر الإلهي للخليل إبراهيم عليه السلام بأن يطهّر هذا البيت من الشرك الكفر والبدع وجميع الأنجاس والدماء، وأن لا يسمح أن يكون عنده إلا ما وافق التوحيد والطهر، قال الله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج:26].
ولقد وفّى الخليل عليه السلام بذلك العهد الذي عهده إليه ربه عز وجل، فرفع القذى عن البيت الحرام، ليُعدَّه للطائفين والقائمين والعاكفين والركع السجود، تعبدًا لله رب البيت الحرام، قال الله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى}.
فكانت هذه بداية الطهر في البلد الحرام التي أخبرنا الله عز وجل عنها.
ولقد أوحى الله إلى رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- أن يتبع ملة إبراهيم، فقال سبحانه وتعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:123].
وتطهير البيت الذي شمل الطهر المعنوي من الأوثان والشرك، والطهر الحسي من الأقذار والنجس؛ هو من ملة إبراهيم التي أوحى الله إلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم باتباعه، ونحن تبع له في ذلك صلى الله عليه وسلّم.
فأيّ تاريخ للطهر أنقى وأشرف من هذا التاريخ في البلد الحرام سُجّل في كتاب الله العظيم، ابتدأ مع الأنبياء وأيديهم المباركة الشريفة؟! أيّ بعد لشرف هذا العمل بعدئذ؟! فلله الحمد والمنّة أن هدانا لهذا وأكرمنا به، جعلنا الله ممن ائتم به، ولا جعلنا ممن عدل عن ملته بمنه وكرمه.
اللهم ارزقنا أدب الجوار، واجعلنا ممن يسهم في تطهير خير بيت ودار، واحمنا ربنا فلا ندنّس بيتًا وأرضًا طهّرها الأنبياء عليهم السلام.
الباحث بمشروع تعظيم البلد الحرام