قد يستشكل البعض دخول فايروس كورونا إلى مكة؛ مع أنها بلد آمن؛ وبيئتها بيئة آمنة بتأمين الله تعالى لها، محفوظة من دخول الطاعون إليها، كما أخبر ربنا عز وجل بذلك في قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَآمنًا} [البقرة:125]، وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} [إبراهيم:35]، وأخبر نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله: (مكة والمدينة محفوفان لا يدخلهما الدجال، ولا الطاعون) [رواه أحمد بسند جيّد].
وللإجابة على الاستشكال المذكور يقال: إن فايروس كورونا وباء وليس طاعونًا، وهناك فرق بين الطاعون والوباء:
فالطاعون: نوع خاص من أنواع الأوبئة الفتّاكة، أصله من طعن الجن ينتج عنه قروح وأورام رديئة تخرج على وجه مخصوص، والطاعون غالبا يقع في أعدل الفصول وفي أصحّ البلاد هواء وأطيبها ماء.
وأما الوباء: فهو المرض العام المعدي الذي ينتشر سريعًا وواسعًا، ويتفشّى في المجتمع على خلاف العادة، وهذا النوع من الأمراض قد ثبت دخوله إلى مكة مرّات عدة عبر التاريخ، كما ذكر ذلك أهل التاريخ والسير.
فقد ذكر صاحب كتاب إتحاف الورى بأخبار أم القرى أنه في سنة 433هـ حصل بمكة وباء عظيم وموت، لا يقيم المريض أكثر من ثلاث ويموت.
وجاء في كتاب حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر أنه في سنة ألف ومائتين وست وأربعين وقع في مكة وباء عام مات فيه خلائق لا يحصون عدداً من الحجاج، حيث انتهى الأمر إلى العجز عن دفن الأموات.
وورد في كتاب تحصيل المرام في أخبار البيت الحرام أنه في سنة إحدى وثمانين وألف ومائتين كان الوباء بمكة، وابتداؤه ثاني يوم النحر، واستمر سبعة أيام، وكثر الموت جداً إلى أن بلغ من يموت في اليوم نحو ألف نفس.