من أصول الشريعة الإسلامية أن الأعمال الصالحة لا تقبل إلا بالنية الصحيحة الخالصة، كما في حديث عمر رضي الله عنه أن سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)) [متفق عليه].
فالحديث يدل على أن الأعمال لا تصح شرعا ولا تعتبر إلا بالنية، وأن النية هي الفاصلة بين ما يصح وما لا يصح.
والنية هي سر العبودية وروحها، ومحلها من العمل محل الروح من الجسد، فلا يعتبر في العبودية عملٌ لا روح معه، بل هو كالجسد الخرب.
وقد تبلغ النية بالمؤمن ما لا يبلغه عمله، فالمؤمن إذا كان مواظبا على عمل صالح، ثم انقطع عنه لعارض طرأ عليه، من سفر أو مرض أو غير ذلك، مع أن نيته حاضرة، وعزمه على العمل موجود؛ فإن الله يكتب له ثواب هذا العمل كأنما قام به وأداه ببدنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مرض العبد، أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا)) [البخاري].
وكذلك من كان له رغبة في عمل صالح يريد القيام به، ولكن العذر حبسه ومنعه من ذلك، فإنه يكتب له أجر من قام بذلك العمل وإن كان في بيته، فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك، فدنا من المدينة، فقال: «إن بالمدينة أقواما، ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم». قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: «وهم بالمدينة، حبَسَهم العذر» [البخاري].
فهؤلاء أرادوا الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم للغزو، وصدقوا في نيتهم وعزمهم، ولكن العذر منعهم من الخروج معه، فجعلهم النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة من خرج معه وتكبد عناء السفر ومشقته.
وفي هذا العام 1441هـ تم تحديد عدد حجاج بيت الله الحرام بعدد محدود، وبإجراءات معينة، وذلك احترازا من انتشار جائحة كورونا، فكثير ممن كان يحج دائما لن يتمكن من الحج هذا العام، وكثير من المشتاقين للبيت لن يتمكنوا من قصده، ولكن إن كان صادقا في نيته وعزمه على الحج، ولم يتمكن من القيام به ببدنه؛ فإن الله تعالى - بمنّه وكرمه وفضله - سيعطيه ثواب الحج، ويغسله من خطاياه، كما يرجع الحاجُّ من ذنوبه كيوم ولدته أمّه.
لقد اختار الله عزّ وجل بيته الحرام وشرّفه بأن جعله مثابةً للناس؛ يثوبون إليه بأرواحهم وأبدانهم؛ فقال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة:125].
ومعنى المثابة بإيجاز: أن النّاس يترددون إليه بشوقٍ وبلا ملل، ويبذلون في سبيله أنفس ما يملكون، طلبًا للأجر والمثوبة ومحو السيئات، ولا ينصرفون عنه إلا وهم راغبون في العود إليه.
والمثابة للبيت العتيق تكون بالجسد والقلب، فيصدق الوصف بالرجوع من زائريه بالجسد أو بالحنين منهم، وممن عجز عن القدوم.
هذا مضمون ما ذكره الأئمة حول معنى "المثابة"، حيث قالوا في تفسير الآية المذكورة: إن الله تعالى يذكر شرف البيت، وما جعله موصوفاً به شرعاً وقدراً من كونه مثابة للناس: أي جعله محلاً تشتاق إليه الأرواح وتحنّ إليه، ولا تقضي منه وطراً ولو ترددت إليه كل عام؛ استجابةً من الله تعالى لدعاء خليله إبراهيم -عليه السلام- في قوله: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37].
فـ(المثابة) بمعنى المرجع؛ أي يثوب الناس إليه، ويرجعون إليه من كل أقطار الدنيا سواء ثابوا إليه بأبدانهم، أو بقلوبهم، فالذين يأتون إليه حجّاجاً، أو معتمرين يثوبون إليه بأبدانهم؛ والذين يتّجهون إليه كل يوم بصلواتهم يثوبون إليه بقلوبهم فإنهم لا يزالون يتذكرون هذا البيت في كل يوم وليلة؛ بل استقباله من شروط صحة صلاتنا.
وقد جاء اختيار المثابة على نحو القصد والمزار؛ لأن لفظ المثابة يتضمّن هذا وزيادة فإنه لا يقال: ثاب المرء إلى الشيء إلا إذا كان قصَده أولاً ثم رجع إليه.
ولما كان البيت معبدًا وشعارًا عامًا؛ كان الناس الذين يدينون بزيارته والقصد إليه للعبادة يشتاقون الرجوع إليه، فمن سهل عليه أن يثوب إليه فعل، ومن لم يتمكّن من الرجوع إليه بجثمانه؛ رجع إليه بقلبه ووجدانه، وكونه مثابةً للناس أمر معروف في الجاهلية والإسلام، وهو يصدق برجوع بعض زائريه إليه، وحنين غيرهم وتمنيهم له عند عجزهم عنه.[انظر: تفسير ابن كثير، وتفسير المنار، وتفسير العثيمين].
وفي ظل قرار حكومة المملكة العربية السعودية تقليص عدد الحجاج لهذا العام ١٤٤١هـ والذي يأتي ضمن جهودها الرامية للحدّ من انتشار فايروس كورونا، وتعذّر قدوم كثير من الناس إلى بيت الله الحرام بأبدانهم لأداء نسك الحج هذا العام بسبب ذلك: تبقى مثابة القلوب والأرواح -بفضل الله تعالى- متاحة لكل أحد.
فما على العبد سوى أن يحتسب الأجر على الله تعالى ويصدق في رغبته؛ ليكرمه ربه عز وجل بجزيل العطايا وأعظم الهبات.
اعتمد مركز التميز لتطوير المبادرات غير الربحية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن "وحدة التطوع" بمشروع تعظيم البلد الحرام التابع لجمعية مراكز الأحياء بمكة المكرمة وفقاً لمعايير ومواصفات المعيار الوطني لوحدات إدارة التطوع بالمملكة “إدامة” مع المستشار المهندس عدنان الجمل.
وأوضح المدير العام لمشروع تعظيم البلد الحرام سعيد الغامدي أن المعيار الوطني لوحدات التطوع بالمملكة -التي عملت إدارة التطوع بالمشروع وفقاً له- يهدف إلى تمكين المنظمات من احتواء الجهود التطوعية وتنظيم الممارسات الإدارية لعملية التطوع ومواءمة جهود المتطوعين مع إستراتيجيات القطاع غير الربحي، وزيادة كفاءة التطوع في المنظمات وربطها برؤية المملكة 2030 ، وتحفيز المنظمات لاستخدام البوابة الوطنية.
وأضاف الغامدي أن المشروع شارك في أنشطته التطوعية طوال أكثر من ستة عشر عامًا قرابة الـ 40 ألف متطوع، خدموا ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين إضافة إلى المجتمع المكي، لافتاً النظر إلى أن المشروع لديه مبادرات مستمرة في العمل التطوعي متمثلة في مسابقة " مبادرون " للذكور ، و " روح التطوع " للإناث، التي تُنفذ بشكل دوري كل عام، مؤكداً أن المشروع يهتم بتكريم المتطوعين وتحفيزهم وتسجيل جهودهم التطوعية في منصة العمل التطوعي التابعة لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
وبين أن المشروع يتبنى عدداً من الأهداف في نشر ثقافة العمل التطوعي بالبلد الحرام، منها الإسهام في تحقيق رؤية 2030 الداعية إلى استقطاب ومشاركة المتطوعين في العمل المجتمعي بالمملكة، وتعزيز المواطنة الفاعلة بتعزيز حب العطاء وخدمة الآخرين، وتقليل التكلفة التشغيلية للمشروع من خلال إسهام المتطوعين المتخصصين في نجاح أعماله وتنفيذ برامجه .