لقد أمر الله تعالى بتعظيم شعائره؛ التي من أعظمها البيت، وعدّ تعظيمها من علامات حصول التقوى في القلب، فقال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب} [الحج:32]، قال ابن عمر رضي الله عنهما: أعظم الشعائر؛ البيت. [تفسير ابن كثير].
وقال العلامة السعدي رحمه الله عند تفسير الآية: المراد بالشعائر: أعلام الدين الظاهرة، ومنها المناسك كلها، فتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب، فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه، لأن تعظيمها، تابع لتعظيم الله وإجلاله. [تفسير السعدي].
ولتعظيم البيت مظاهر كثيرة، أحدها: التوجّه إليه لأداء مناسك العمرة.
فقصد المعتمر هذا البيت بأداء مناسك العمرة دون غيره من سائر بقاع الأرض؛ يعدّ تعظيمًا منه له، واغتساله وتطيّبه قبل قدومه إليه؛ يعدّ تعظيمًا منه له، وتجرّده من ملابسه حال إحرامه سوى لباس الإحرام؛ يعدّ تعظيمًا منه له، واجتنابه لما يجب على المحرم اجتنابه حال تلبّسه بنسك العمرة؛ يعدّ تعظيمًا منه له، ودخوله البلد الحرام دخول المتواضعين المتخشّعين المتذللين كاشفًا رأسه متجردًا عن لباس أهل الدنيا؛ يعدّ تعظيمًا منه له، وطوافه بالبيت دون غيره؛ يعدّ تعظيمًا منه له، واقتصاره على السعي بين الصفا والمروة؛ يعدّ تعظيمًا منه له، وأداؤه مناسك العمرة على الوجه الذي أمر الله تعالى به؛ يعدّ تعظيمًا منه للبيت، وتقليده البدن هديًا للكعبة الشريفة؛ يعدّ تعظيمًا منه له، ولذلك حين رأى الحُلَّيس بن علقمة الكناني -زعيم الأحابيش التي تمثل ثلثي قوة قريش- البُدنَ؛ قال: سبحان الله! ما ينبغي لهؤلاء أن يُصدُّوا عن البيت، وقال لأصحابه حين عاد إليهم: رأيتُ البُدْن قد قُلِّدت وأشْعِرَت، فما أرى أن يُصدُّوا عن البيت، فلمّا رأى أن قريشًا لم تلتفت إلى رأيه؛ غضب وقال: يا معشر قريش، والله ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم، أن تصدّوا عن بيت الله من جاءه معظِّمًا له، والذي نفس الحُلَّيس بيده لتخلُنّ بين محمد وبين ما جاء له، أو لأنفرنّ بالأحابيش نفرة رجل واحد. [السيرة النبوية لابن هشام].
الباحث بمشروع تعظيم البلد الحرام