من كلام حبيبنا ونبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في حجة الوداع أثناء خطبته في يوم عرفة انه صلى الله عليه وسلم قال : (ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا).
والأمر والحمد الله واضح وقد أوجبه الله تعالى ، وبين حرمتها والعناية بهذه الحرمة، ومنع كل ما يضاد ذلك ويخالفه، يقول الله عز وجل في كتابه المبين :
( يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ} [البقرة:217].
مكة كلها حرام .. وحرمة مكة منذ خلق الله السماوات والارض الى أن تقوم الساعة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته ، وقد قال الله سبحانه وتعالى عن الحرم وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25]
كانوا كفار قريش وغيرهم في ذلك العهد يعظمون الحرم ، وكانوا لا يعادون فيه أحدا، حتى أن أحدهم يلقى قاتل أبيه أو ابنه أو قريبه ، فلا يجرؤ ان يقاتله ، او ان يتعرض له حتى بأي أذى حتى يخرج من الحرم ، هذا وهم كفار كانوا يعظمون البيت والحرم لانهم يخشون العقوبة من الله سبحانه وتعالى .
ومن حرمة البيت والحرم ان جعل الله كل من يأتي إليه من المؤمنين من أي مكان في العالم ، ان يكون آمناً .. ليس على نفسه فقط ، بل على نفسه .. وماله .. وعرضه . فلا يخاف على ذلك من شيء ، وما ذلك إلا ليتفرغ لعبادة الله ، وينشغل بالسبب الذي جاء من أجله .
بل يتعدى الأمن حتى يشمل جميع الحيوانات والطير والوحوش التي قد تؤذي الناس ، ويكون ذلك في عدم صيدها واكلها .. او تنفيرها وتخويفها .
وتتعدى بركة امن البيت الحرام ومكة حتى يشمل الشجر ، فلا يقطع شجره ولا يختلي خلاه .. تعظيما لحرمات الله .. وتعظيماً وتشريفاً لهذا البيت الحرام .
ومن حرمة مكة شرفها الله وتعظيمها ، ما ورد في قوله تعالى : ( إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) الحج/ 25 .
فبمقتضى هذه الآية الكريمة أن من عمل سيئة أو معصية .. او حتى مجرد الهم والتفكير بذلك في مكة ، فقد توعده الله عز وجل بالعذاب الأليم .
وقد اجمع المحققون على ذلك .
قال ابن القيم – رحمه الله – :
والمسجد الحرام هنا : المراد به الحرم كُلُّهُ .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – : ” من همَّ بالإلحاد في الحرم المكي : فهو متوعَّد بالعذاب الأليم “.
قال الله تعالى: {ذٰلِكَ وَمَن يُعَظّمْ حُرُمَـٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبّهِ} [الحج:30].
قال مجاهد في قوله: {ذٰلِكَ وَمَن يُعَظّمْ حُرُمَـٰتِ ٱللَّهِ} : ” الحرمة مكة والحج والعمرة وما نهى الله عنه من معاصيه كلِّها “.
وقال ابن القيم : ” قال جماعة من المفسرين :
” حرمات الله ها هنا مَغاضِبه وما نهى عنه، وتعظيمها ترك ملابستها “.
وفي الجملة : هي كل ما يجب احترامه وحفظه من الحقوق والأشخاص والأزمنة والأماكن .. فتعظيمها تَوفِيَتها حقَّها وحفظها من الإضاعة .
نسأل الله تبارك وتعالى أن يعظم حرماته في قلوبنا ..