قسم العبادات
حكم إقامة صلاة العيد في البيوت بسبب إجراءات الحظر للتقليل من تفشي فايروس كورونا
من النوازل الفقهية عدم إقامة صلاة العيد في المصليات والمساجد بسبب جائحة فايروس كورونا المستجد، فهل يشرع إقامتها في البيوت فرادى أو جماعات؟
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز أداء صلاة العيد في البيوت، وخالف في ذلك الحنفية فقالوا لا يصليها وحده إن فاتت مع الإمام وبه أخذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وقد اختلف المعاصرون في حكم صلاة العيد في البيوت نتيجة إجراءات التباعد الاجتماعي التي فرضتها الدول لمنع تفشي الوباء وانتقاله بين الأفراد على قولين:
القول الأول:
مشروعية إقامة صلاة العيد في البيوت وإن اختلفوا في صفتها إلى فريقين:
الفريق الأول: وهم الأكثرون على أنها تصلى كصلاة العيد في صفتها وعدد ركعاتها بلا خطبة، وهو قول لأكثر المعاصرين ، و ممن قال به المفتي العام للملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ ، ودار الإفتاء المصرية ، ومجلس الإمارات للإفتاء الشرعي ، وغالبية العلماء المعاصرين.
واستدلوا على ذلك:
1. أنه إذا كان القضاء مستحباً في حق من فاتته الصلاة مع الإمام الذي أدى صلاة العيد بالمسلمين فمن باب أولى أن تكون إقامتها مشروعة في حق من لم تقم صلاة العيد في بلدهم.
2. ولأن في ذلك إقامة لتلك الشعيرة حسب الاستطاعة ، والله تعالى يقول : "فاتقوا الله ما استطعتم" التغابن: ١٦ .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ). خرجه البخاري في "صحيحه" (9 / 94) برقم: (7288) ومسلم في "صحيحه" (4 / 102) برقم: (1337).
وصفة صلاة العيد ركعتان يكبر في الأولى تكبيرة الإحرام، ثم يُكبر بعدها ست تكبيرات أو سبع تكبيرات لحديث عائشة رضي الله عنها: " التكبير في الفطر والأضحى الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرتي الركوع " رواه أبو داود وصححه الألباني في إراواء الغليل ( 639 ).
ثم يقرأ الفاتحة ، ويقرأ سورة " ق " في الركعة الأولى ، وفي الركعة الثانية يقوم مُكبراً فإذا انتهى من القيام يُكبر خمس تكبيرات ، ويقرأ سورة الفاتحة ، ثم سورة " اقتربت الساعة وانشق القمر " فهاتان السورتان كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما في العيدين ، وإن شاء قرأ في الأولى بسبح وفي الثانية بـ " هل أتاك حديث الغاشية " فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيد بسبح اسم ربك الأعلى والغاشية
الفريق الثاني: أنها تصلى في البيوت أربع ركعات بلا خطبة ولا تكبيرات زوائد إن شاء صلاها أربعا بسلام واحد أو صلاها مثنى مثنى بسلامين، وهذه الصفة ذكرها ابن قدامة في المغني وأخذ بها بعض المعاصرين.
واستدلوا على ذلك:
بما روي عن ابن مسعود –رضي الله عنه- من غير وجه : أن من فاتته صلاة العيد مع الإمام صلى أربع ركعات .
عن الثوري ، عن مطرف ، عن الشعبي قال : قال عبدالله :"من فاته العيدان فليصل أربعاً" مصنف عبدالرزاق الصنعاني (3/300)
عن علي –رضي الله عنه- : أنه أمر من يصلي بضعفة الناس في المسجد أربعاً، ولا يخطب بهم. أخرجه ابن أبي شيبة (2/185) ، البيهقي (3/310) وفيه ضعف
القول الثاني:
عدم إقامتها في البيوت، وهذا القول ذهب إليه بعض المعاصرين.
واستدل على ذلك:
لأنها شرعت على هذا الوجه؛ لحديث أم عطية ، فعَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ فِي الْعِيدَيْنِ ، فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ ، فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ ، فَحَدَّثَتْ عَنْ أُخْتِهَا ، وَكَانَ زَوْجُ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ، وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتٍّ ، قَالَتْ: كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى ، وَنَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى ، فَسَأَلَتْ أُخْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لَا تَخْرُجَ قَالَ: لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا ، وَلْتَشْهَدِ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ".
فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ سَأَلْتُهَا: أَسَمِعْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: بِأَبِي نَعَمْ ، وَكَانَتْ لَا تَذْكُرُهُ إِلَّا قَالَتْ بِأَبِي ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: يَخْرُجُ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ ، أَوِ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ ، وَالْحُيَّضُ ، وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ ، وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى" أخرجه البخاري في "صحيحه" (1 / 72) برقم: (324)
وجه الدلالة : أن صلاة العيد لو كانت تصح في البيت لأمر المرأة أن تصلي في بيتها، لكن للشارع الحكيم مقصد في مثل هذا الاجتماع العظيم.
ولعل السبب في اختلافهم: يرجع إلى حكم قضاء صلاة العيد لمن فاتته، فمن يرى مشروعية قضائها، قال بجواز إقامتها في البيوت، ومن يرى عدم قضائها قال بعدم مشروعية صلاتها في البيوت.
ولعل الأرجح في مثل هذه النازلة القول بمشروعية أدائها في البيوت على نفس صفتها التي تصلى بها في المساجد بدون خطبة؛ ذلك أن تخلف الناس عن أدائها في المصليات أو المساجد كان لعذر فرض إجراءات التباعد الاجتماعي الذي يحد من انتشار المرض، فلم يكن تخلفهم عنها تكاسلا أو تهاوننا أو استخفافا بهذه الشعيرة العظيمة. ولهذا قال غالبية المعاصرين أنها تؤدى في البيوت.
رابط مراجع تلخيص المسألة