شارك

قسم الطب و التداوي

واجب الأفراد الشرعي في مثل هذه الأوقات "وقت انتشار الوباء"

شارك

الموقف الشرعي للمسلم وقت انتشار الوباء بعد الرجوع إلى كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يلي:
أولًا: التّوكّل على الله سبحانه وتعالى حقَّ التوكل، وتأكيد الإيمان بالقضاء والقدر، قال سبحانه وتعالى: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون} [سورة التوبة:51]، وإن المسلم لا يعلم ما قدَّره اللهُ سبحانه وتعالى إلا بعد وقوعه، فالقدرُ من الأمور الغيبية، والمسلمُ مأمورٌ أن يأخذ بالأسباب، والأخذُ بالأسباب لا ينافي القدر، بل هو من قدر الله سبحانه وتعالى، فمن تمام التوكل على الله سبحانه وتعالى في مواجهة الوباء الأخذ بأسباب الوقاية، ولو قدَّر الله سبحانه وتعالى على أحد الموت "بفيروس كورونا" مثلاً بعد أخذه بالأسباب، فأجرهُ عظيمٌ عند الله سبحانه وتعالى، فعن عائشة رضي الله عنها، أنَّهَا سَأَلَتْ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الطَّاعُونِ، فأخْبَرَهَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أنَّه كانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ علَى مَن يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فليسَ مِن عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ في بَلَدِهِ صَابِرًا، يَعْلَمُ أنَّه لَنْ يُصِيبَهُ إلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ له، إلَّا كانَ له مِثْلُ أجْرِ الشَّهِيدِ" رواه البخاري، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (يعلَمُ أنَّه لا يُصيبُه إلَّا ما كتَب اللهُ له)، أي: يظَلُّ داخِلَ البلدِ الَّذي وقَع فيه الطَّاعونُ، ولا يخرُجُ منه؛ ظنًّا منه أنَّ خروجَه يُنجيه مِن قَدَرِ اللهِ المكتوبِ عليه، إلَّا كان له مِثلُ أجرِ شهيدٍ.

ثانيًا: على المسلم أن يعتقد أن الأوبئة عذاب من الله سبحانه وتعالى يُرسله على من يشاء من عباده، وأنه رحمة للمؤمنين، كما جاء من حديث عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الطّاعون، فقال: "عذاب يرسله الله على من يشاء، ورحمة للمؤمنين، وما من أحد يقع الطّاعون في بلده، فيمكُث صابراً محتسباً إلا كتب له مثل أجر شهيد" رواه البخاري.
ثالثًا: الأخذ بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المتغيرات الكونيّة، فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما كُسِفت الشمس، خرج فزِعاً يجر رداءه، وصلّى وقال في حديث عائشة رضي الله عنها: [إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لا يخسفان لِمَوْتِ أَحَدٍ ولا لحياته، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذلك فَادْعُوا الله، وكبروا وصلوا وتصدقوا] رواه البخاري.

فهذا حال النّبي صلى الله عليه وسلم مع السنن الكونيّة، أنه يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى ويُكثر العبادة والدُّعاء والاستغفار، قال سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [سورة الأنفال: 33].
فعلينا أن نتوب ونرجع إلى الله سبحانه وتعالى، وأن نكثر من الصلاة والدعاء والإنابة لله سبحانه وتعالى.
رابعًا: إحسان الظّن بالله سبحانه وتعالى، من ذلك أن الله سبحانه وتعالى ما خلق مثل هذا الوباء إلا لحكمة بليغة، وغاية ومقصد عظيم، ومصلحة العباد والبلاد، من تمايز الخلق، وتمحيص الذنوب، وتكفير الخطايا، ورفعة الدرجات، والتوبة والإنابة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.
قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي عن أبي هريرة مرفوعاً: "أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظّن بربه" رواه مسلم.
خامسًا: اللّجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والتّضرع، والدّعاء للمسلمين، ومن ذلك:

  • دعاء رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ" رواه أبو داود والنسائي وأحمد، وقال الألباني: صحيح.
  • عن ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَع هؤلاء الكلمات إذا أصبح وَإذا أَمْسَى: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ استُرْ عَوْرَاتي، وآمِنْ رَوْعَاتي، اللَّهمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَينِ يَدَيَّ، ومِنْ خَلْفي، وَعن يَميني، وعن شِمالي، ومِن فَوْقِي، وأعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحتي" رواه أبو داود والترمذي وحسنه الحافظ ابن حجر العسقلاني.
  • وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِي" رواه أبو داود والترمذي وصححه.
  • قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ"، رواه مسلم،
    وغير ذلك.

سادساً: على المسلم أن يُعنى بالأذكار الشرعية في الصباح والمساء، كقراءة المعوذات وسورة الإخلاص وآية الكرسي والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة... إلى آخر ما ورد من أذكار الصباح والمساء، وقراءة القرآن فالقرآن شفاء للصدور، وهدى ورحمة، وكان صلى الله عليه وسلم قبل أن ينام يُرقي نفسه فيجمع كفّيه ويقرأ المعوذات وسورة الإخلاص ويمسح ما استطاع من جسده، ولما مرض كانت عائشة تمسح بيده على بدنه وتنفث عليه.
سابعاً: اتّباع التّعليمات الصّادرة من الجهات الرّسميّة، خاصّة وأنّها تتعلّق بعموم النّاس، وما يتعلق بعموم النّاس فمصدره ولي أمر المسلمين. فيجب اتّباع أمر ولي الأمر في مثل هذه الجوائح وأن يكون الأفراد يداً واحدة وصفّاً متّحداً تحت التّوجيهات الرّسميّة، والتّعليمات من قبل المختصّين.
ثامناً: الأخذ بالأسباب الصحية حسب ما تقرره الجهات الطبية المختصة، مثل وباء كورونا فيشمل ذلك ما يلي:

  • الأخذ بأسباب الوقاية من “فيروس كورونا” وهذا يشمل على المستوى الشخصي: النظافة بشكلٍ عامٍ كغسل اليدين والأنف بانتظام وغسل جميع البدن ونظافة البيت والأفنية وغير ذلك، وعدم المصافحة والتقبيل والاكتفاء بالتحية من بعيد.
    تجنب التجمعات الكبيرة والصغيرة في الأماكن العامة وغيرها مثل الأسواق والقاعات والحفلات وغيرها والزيارات والاجتماعات العائلية إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك.
  • الحجر الصحي وهو: عزلُ المريض بنوع من الأمراض المعدية عن بقية الأصحاء طيلة فترة حضانة المرض، ووضعه تحت الرقابة الطبية الدقيقة إلى أن تنتهي هذه الفترة.
  • وجوبُ الإفصاح عند الإصابة “بفيروس كورونا”، فيجب على كل من أحس بأنه قد أصابه هذا الوباء، أو أنه كان في بيئةٍ موبوءةٍ وخرج للضرورة، أن يخبر الجهات المسؤولة بحاله، وإذا أخفى ذلك فقد ارتكب جريمتين؛ جريمة الكذب والإخفاء والتدليس، وجريمة التسبب في إضرار الأخرين وانتشار الأوبئة، وكل من يصيبه هذا المرض بسببه يتحمل قسطه من الإثم والعدوان، قال صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" رواه البخاري، فالمسلم الحقيقي يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، ويكره له ما يكرهه لنفسه.

تاسعًا: يجب التحذيرُ من الهلع والمبالغة في الخوف من الوباء، وكذا يجب التحذيرُ من التساهل في أمره بحيث يؤدي إلى عدم الأخذ بأسباب الوقاية منه، وفي ذات الوقت يجب التحذيرُ من نشر الشائعات والأخبار غير الصحيحة، خاصةً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومظاهر التهويل للفيروس ينتج عنها ظواهر اجتماعية سلبية، بينها نشر الفوضى والخوف، وتعطيل الحياة الاجتماعية للناس.
ولا يجوز ترويع المؤمنين، وبث الخوف فيهم وإدخال الحزن عليهم، فإن هذا من أذيّة المؤمنين، والله سبحانه وتعالى قال: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [سورة الأحزاب: 58]، وإدخال الحزن وضيق الصدر على المسلمين، يُخالف مقصد الشرع،
عاشراً: معرفة أثر الوباء على العبادات كصلاة الجمعة والجماعة والحج والعمرة وما إلى ذلك من الأحكام الشّرعيّة.
الحادي عشر: التّفاؤل بالخير، وأنّ هذه الأزمات ستمر وتذهب، ويبقى أجر الصّابرين، وثواب المؤمنين الطّائعين الشاكرين التّائبين المنيبين إلى الله سبحانه وتعالى، وأن ما أصابهم لن يضيع عند الله سبحانه وتعالى، مع الصّبر والاحتساب، وأن الله سبحانه وتعالى سيُعوّضهم في الدنيا والآخرة، فعلى المسلم أن يتفاءل خيرًا، وأن يظن بالله سبحانه وتعالى خيرًا.

رابط مراجع تلخيص المسألة