شارك

قسم العبادات

حكم تعطيل إقامة الجمعة والجماعة وصلاة التراويح والعيدين والاعتكاف في المساجد وتعليق العمرة عند عموم الأوبئة

شارك

إن مما تتسم به الشريعة الإسلامية مراعاة مصالح الناس عند وقوع الجوائح كالأوبئة ونحوها, سواء كانت تلك المصالح ضرورية, أم حاجية, أم تحسينية, ومراعاة ذلك حتى في صفة أداء مـــــــــا أمر الله سبحانه وتعالى به من الفروض, و لذا فإنه لما تفشى اليوم في العالم من مرض ( فايروس كورونا – كوفيد-19) واتفقت دول العالم أجمع – رغم اختلاف سياساتها ودياناتها - على أن هذا الفايروس إنما ينتقل بالمخالطة, فمنعت المخالطة بين الناس في كل أمر, ولما كانت الصلاة من العبادات التي يشرع فيها اجتماع الرجال في المساجد, ومن المحقّق أن هذا الاجتماع جالب لمفسدة ازدياد انتشار هذا المرض وإيقاع الخطر على المسلمين, فإنه يسوغ شرعًا تعطيل الاجتماع للصلاة في المساجد, وكذلك الاجتماع لصلاة الجمعة وأن تؤدّى ظهرًا, وذلك إذا خيف تحقق الضرر, وحصول المفسدة بالاجتماع إذا قرر ذلك أهل الخبرة والاختصاص, ومستند هذا ما جاء في الكتاب والسنة من الأدلة التي توجب المحافظة على النفس، والتي منها:

  1. قول الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَة} [سورة البقرة: 195] .
  2. قوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [سورة النساء: 29] .
  3. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يُورِد ممرض على مصح" متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: "فرّ من المجذوم كما تفر من الأسد" أخرجه البخاري.
  4. قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها" متفق عليه.

و مما يُستند إليه في هذا الحكم, ما تقرر في قواعد الشريعة الغراء أنه: "لا ضرر ولا ضرار"، ومن القواعد المتفرعة عليها: "أن الضرر يدفع بقدر الإمكان".
ولذا فإن هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية قد أصدرت بيانًا فيما يتعلق بهذه الجائحة, بعد الاطلاع على التقارير الطبية التي أكدت على خطورة هذا الوباء المتمثلة في سرعة انتشاره وكثرة الوفيات به, وقد أفتوا بتعطيل الصلاة في المساجد, وعدم إقامة الجمعة فيها, درءًا لهذا الخطر العظيم , وحفاظاً على نفوس المسلمين, مستندين في ذلك على ما تقدم من أدلة وجوب حفظ النفس, ودفع الضرر.
ومما يجدر ذكره أن هذه الحادثة التي وقعت في زماننا اليوم لم تكن هي الأولى في التاريخ, بل سبقها وقائع كثيرة, كان من المصلحة حينها أن تعطل الجمع والجماعات في المساجد, سواء كان التعطيل إجباريًّا كحال القتال والخوف منه, أو اختياريًّا كحال الواقع اليوم, وسواء كانت الأسباب سماوية كالجوائح ونحوها, أو بشرية كالحروب والفتن.
وقد ذكر العلامة المقريزي في كتابه السلوك عن الطاعون الأسودَ الذي وقع عام (٧٤٩هـ): "تعطل بسببه الأذان من عدة مواضع, وبقی في الموضع المشهور بأذان واحد, وأغلقت أكثر المساجد " اهـ .
وقال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية: وفي رجب (سنة٥٤١هـ) وقع بين الخليفة والسلطان مسعود وقائع فبعث الخليفة إلى الجوامع والمساجد فأغلقت ثلاثة أيام، حتى اصطلحا).
‏وكذلك جاء في أنباء الغمر لابن حجر أنه في عام (827هـ ) وقع بمكة وباء عظيمٌ، بحيث مات في كل يوم أربعون نفساً، وحصر من مات في ربيع الأول ألفًا وسبعمائة، ويقال: إن إمام المقام لم يصلِّ معه في تلك الأيام إلا اثنين وبقية الأئمة بطَّلوا لعدم من يصلي معهم.
ويدخل في ذلك منع إقامة صلاة العيدين والتراويح والاعتكاف لأنه إذا جاز تعليق الصلوات المفروضة فمن باب أولى تعليق النوافل من الصلوات وكذا تعليق العمرة إذا اقتضت المصلحة ذلك وتطلب مكافحة المرض الوبائي والقضاء عليه اتخاذ مثل هذه الإجراءات حفظا لأرواح الناس وأبدانهم

رابط مراجع تلخيص المسألة