قسم الطب و التداوي
حكم السخرية من الوباء والاستهزاء بوقوعه
ذكر الشيخ ابن باز رحمه الله أن التفكّه بالكلام والتنكيت إذا كان بحق وصدق فلا بأس به، ولا سيما مع عدم الإكثار من ذلك، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقًّا.
أما ما كان بالكذب فلا يجوز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ثم ويل له"، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد جيد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: (المتحدث بأحاديث مفتعلة ليضحك الناس، أو لغرض آخر، عاص لله ورسوله. وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن الكذب لا يصلح في جد ولا هزل، ولا يعد أحدكم صبيه شيئًا ثم لا ينجزه.
وأما إن كان في ذلك ما فيه عدوان على مسلم وضرر في الدين فهو أشد تحريما من ذلك، وبكل حال ففاعل ذلك مستحق للعقوبة الشرعية التي تردعه عن ذلك. اهـ(..
أما إن كانت النكات على وجه السخرية التي تعني: الاحتقار والاستهانة بالناس، وذكر العيوب والنقائص على وجه يُضْحَك منه بالقول أو الفعل أو الإشارة أو الحركة، فما أقبح هذا الخلق الدنيء، وما أبشع هذه الخصلة الذميمة، التي لا يصاب بها إلا ذوُو العقول المريضة، والقلوب الميتة، والفطر المنكوسة، نسأل الله تعالى السلامة.
والسخرية صفة من صفات المنافقين؛ فالمنافقون هم أكثر الناس سخرية بالرسل وأتباعهم، وبما جاءت به الرسل عليهم السلام من الحق والهدى، قال سبحانه وتعالى في وصفهم: {وَإذا لقوا الذِينَ آمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [سورة البقرة: 14].
وقد نقلت صحيفة اليوم السابع المصرية فتوى مركز الفتوى الإلكترونية بالأزهر عن حكم من الاستهزاء بالمرض والوباء أو إجراءات الوقاية: " إن الاستهزاء والسخرية، وهو: حمل الأقوال والأفعال على الهزل واللعب، لا على الجد والحقيقة، وبالاستهزاء يكون التكذيب وقلب الحقائق وتشويهها.
ومثل هذه الأفعال نهى الشارع الحكيم عنها وخاصة في الأمور التي تدعو إليها الشرائع القويمة والعقول السليمة والقيادات الحكيمة عند شدائد الأمور، فلا يليق بحال من الأحوال أن تكون أخلاق الناس عند الابتلاء والشدائد السخرية والاستهزاء؛ بل مما ينبغي لفت الأنظار إليه أن ما تدعو إليه منظمة الصحة العالمية وغيرها من وزارات الصحة في دول العالم للتعامل مع هذا الوباء والمرض من إرشادات وما شابهها من إجراءات احترازية، وتعاليم وقائية ليس بدعًا من الدين ولا خروجًا عن العقل حتى نسخر أو نستهزأ منها؛ بل دعا ديننا من قبل 1400 عام إلى مثلها؛ فاليوم تطالب هذه المنظمات بعدم السفر مِن وإلى المناطق التي ينتشر فيه المرض، وهذا عين ما دعا إليه رسولنا صلى الله عليه وسلم حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ [يعني: الطاعون] بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه" [مسند أحمد].
وتدعو اليوم هذه المنظمات إلى ارتداء غطاء الفم والأنف -الكمامات الطبية- أو إلى تغطية الفم أثناء العطاس والسعال، وهذا عين ما قد أتى به ديننا فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ إِذَا عَطَسَ، غَطَّى وَجْهَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ، وَغَضَّ بِهَا صَوْتَهُ" [سنن الترمذي، وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ].
وتدعو هذه المنظمات إلى النظافة في البدن والملبس وهذا -ولله الحمد- من أظهر ما يدعو إليه ديننا الحنيف؛ فممَّ يسخر أو يستهزيء هؤلاء العقلاء؟
بل الواجب على العاقل –بدل أن يسخر أو يهزأ– أن يطيع ويتبع إجراءات السلامة حفاظًا على نفسه التي هي من أعظم الكليات الخمس التي دعته الشريعة إلى حفظها وعدم تعريضها لما يهلكها، فقال الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [سورة البقرة: 195].
وعليه أن يسأل الله سبحانه وتعالى المعافاة، وإذا كان مقصِّرًا أن يعود إلى مولاه بالتوبة والإنابة، وأما مقابلة هذا الابتلاء بالسخرية والاستهزاء فقد يدخله في قوله سبحانه وتعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة الأنعام: 43].