شارك

قسم المعاملات

حكم عطايا وتبرعات المريض بفايروس كورونا

شارك

يعتبر مرض كورونا من الأمراض الوبائية التي ترتب على وجودها الكثير من الاحترازات التي اتخذتها الدول واتخذها الأفراد، ولعل هذه الاحترازات الكبيرة التي لم يتعود الناس عليها ونتج عنها حظر للتجوال وتعليق للحضور في قطاع التعليم وأغلب قطاعات العمل، وأوقفت مناسك العمرة وصلوات الجمع والجماعات بسببه، فهل هذا الوباء يعتبر مرضًا مخوفًا ينتج عنه تقييد حرية الإنسان في تبرعاته وعطاياه فيعامل معاملة من أصيب بمرض مخوف؟
ولعلنا قبل أن نطرح الحكم الشرعي في هذه النازلة نعرض ما ذكرته منظمة الصحة العالمية عن فايروس مرض كورونا المستجد (كوفيد-19) حيث ذكرت المنظمة أن الإصابة بفايروس كورونا المستجد (الذي تسببه العدوى – بعد مشيئة الله- بفيروس (كوفيد-19) خفيف بشكل عام، لاسيما عند الأطفال والشباب ومع ذلك، فإنه يمكن أن يسبب مرضًا خطيرًا، إذ يحتاج نحو شخص واحد من كل 5 أشخاص مصابين بهذا المرض إلى تلقّي الرعاية في المستشفى.

لذا فإن من الطبيعي أن يشعر الناس بالقلق إزاء كيفية تأثير فاشية مرض كوفيد-19 عليهم وعلى أحبائهم(.
إلا أن منظمة الصحة العالمية ذكرت أن هذا المرض قد يسبب مرضًا وخيمًا ومخوفًا (للمسنين والأشخاص المصابين بحالات طبية موجودة مسبقًا - مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب وداء السكري- حيث يصابون بمرض وخيم أكثر من غيرهم(.

لذا فإن هذا المرض لا يعتبر وخيمًا ومخوفًا إلا لبعض الحالات لا سيما تلك التي لم تتلقى علاجًا كافيًا، وإلا فالأصل أن المريض به إذا تلقى العناية الكافية قبل تطور المرض واستفحاله فإن الغالب أن ينجو المريض معه ولا يؤدي إلى هلاكه، إلا أن سرعة انتشاره والخشية من عدم قدرة الدول على العناية بالمصابين به هي ما يجعل الدول تحتاط غاية الاحتياط في إجراءاتها المتّخذة ضده حتى تضمن عدم انتشاره.

ومن الأدلة على أنه لا يعتبر مخوفًا أن الشخص ينصح إذا أصيب ببعض أعراضه أن يعزل نفسه ببيته وأن يحافظ على العناية بنظافته الشخصية ونظافة البيئة المحيطة به ويكثر من شرب السوائل – وخاصة الساخنة منها- ويطهو الطعام بشكل جيد.

وقد ذكر الفقهاء أن العطية في المرض المخوف تعامل معاملة الوصية فلا تجوز إلا فيما دون الثلث ولا تجوز لوارث إلا إذا أجازها الورثة، قال ابن المنذر رحمه الله:)أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم، أن حكم الهبات في المرض الذي يموت فيه الواهب، حكم الوصايا).

كما نص جمهور الفقهاء على أن من كان في مرض الموت، أو حل به مرض مخوف:
وهو الذي يخشى عليه فيه من الموت عادة، فإن تصرفه بما زاد على ثلث ماله غير صحيح، ولا تنفذ تبرعاته بما زاد عن الثلث، ولا تصح هبته لأحد الورثة، كما ذكروا أن من الأمراض المخوفة مرض الطاعون إذ أنه يخشى على صاحبه من الموت، بل قرر جمع من الفقهاء أن مما يدخل في حالة المرض المخوف كل حالة يحيط الخطر فيها بالإنسان ويغلب في أمثالها الهلاك ولو لم يكن الإنسان مريضًا، ونص جمع من الفقهاء على أن مما يدخل في ذلك وقوع الطاعون والوباء ببلد، فكل من كان فيه ولو كان سالمًا، فهو في تصرفاته كالمريض مرضًا مخوفًا.
وخالف في ذلك آخرون .

والمرجع في اعتبار المرض الوبائي مخوفا أو غير مخوف هم أهل الطب والاختصاص فقد يختلف من مرض إلى مرض ومن شخص لآخر.
وقد قسّم الفقهاء الأمراض لأربعة أقسام وجعلوا لتصرفات كل قسم حكم خاص به فيما يتعلق بالهبات والعطايا وذكروا أن تقرير اعتبار المرض مخوفًا أو غير مخوف يرجع لكلام أهل الاختصاص والطب، قال ابن قدامة‏ رحمه الله:‏ (وأمّا ما أشكل أمره فصرّح جمهور الفقهاء بأنّه يرجع إلى قول أهل المعرفة‏,‏ وهم الأطبّاء‏,‏ لأنّهم أهل الخبرة بذلك والتّجربة والمعرفة‏,‏ ولا يقبل إلا قول طبيبين‏,‏ مسلمين‏,‏ ثقتين‏,‏ بالغين‏,‏ لأنّ ذلك يتعلّق به حق الوارث وأهل العطايا فلم يقبل فيه إلا ذلك)‏.‏
لذا فالصحيح مع وباء كورونا الجديد الرجوع لأهل الطب والاختصاص في اعتباره مرضًا مخوفًا لا يجوز للشخص التصرف معه في المال بالهبة أو العطية أو سائر أنواع التبرعات إلا بما دون الثلث كالوصية، أو اعتباره مرضًا غير مخوف فتجوز فيه جميع أنواع الهبات والعطايا والتبرعات بالثلث وما زاد عليه لوارث أو غير وراث والله سبحانه وتعالى أعلم.

رابط مراجع تلخيص المسألة