شارك

قسم العبادات

حكم الصلاة مع تباعد الصفوف خوفاً من العدوى بسبب الأوبئة

شارك

لقد أولى الإسلام صفوف المصلين عناية كبيرة، حيث أمر بتسوية الصفوف، وأظهر فضيلة تسويتها، والاهتمام بها .
وتسوية الصف لها عدة معاني، منها:

1-تسوية الصف الواجبة؛ وهي: ألا يتقدم أحد على أحد، لا بصدره، ولا بكعبه .وهذه تسمى تسوية المحاذاة.
2-التَّراصُّ في الصَّفِّ، فإنَّ هذا مِن كماله، وكان النبي ﷺ يأمر بذلك، ونَدَبَ أمَّتَهُ أن يصفُّوا كما تصفُّ الملائكةُ عند ربِّها، يتراصُّون ويكملون الأول فالأول، ولكن المراد بالتَّراصِّ أن لا يَدَعُوا فُرَجاً للشياطين، وليس المراد التَّزاحم؛ ولهذا كان النبي ﷺ يقول : "أَقِيمُوا الصُّفُوفَ، فَإِنَّمَا تَصُفُّونَ بِصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ، وَلِينُوا فِي أَيْدِي إِخْوَانِكُمْ، وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ" [مسند أحمد5724] اسناده صحيح، من حديث عبد الله بن عمر.
3-إكمالَ الأول فالأول، فإنَّ هذا مِن استواءِ الصُّفوف، فلا يُشرع في الصَّفِّ الثاني حتى يَكمُلَ الصَّفُّ الأول، وقد نَدَبَ النبي ﷺ إلى تكميل الصفِّ الأول فقال: "لو يعلم الناسُ ما في النِّداءِ والصَّفِّ الأولِ؛ ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتَهِمُوا عليه لاسْتَهَمُوا"[مسلم 437] من حديث أبي هريرة. يعني : يقترعون عليه.
4-ومِن تسوية الصُّفوف التقاربُ فيما بينها، وفيما بينها وبين الإِمام؛ لأنهم جماعةٌ، والجماعةُ مأخوذةٌ مِن الاجتماع: ولا اجتماع كامل مع التباعد، فكلما قَرُبَت الصُّفوفُ بعضها إلى بعض كان أفضل، وقد جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي، وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ، وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ" [البخاري725].وحَدُّ القُرب: أن يكون بينهما مقدار ما يَسَعُ للسُّجودِ وزيادة يسيرة.
5-مِن تسوية الصُّفوفِ وكمالها: أن يدنوَ الإِنسانُ مِن الإِمامِ؛ لقول النبي ﷺ: "لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم"[مسلم432] من حديث أبي مسعود، وكلَّما كان أقربَ كان أَولى.
وتسوية الصفوف مستحب وليس واجب، حيث إن هناك العديد من الأدلة التي تؤكد ذلك، وهذا ما ذكره جمهور أهل العلم، فهي لا تؤثر في صحة الصلاة، خصوصاً إذا كان هناك عذر يستدعي التباعد.

ومن هذه الأدلة:

1-عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ : " سَوُّوا صُفُوفَكُمْ ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ " [مسلم 433] ، وفي رواية للبخاري [723 ] :" سَوُّوا صُفُوفَكُمْ ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاةِ". وهذا يدل على أن هذه الإجراءات مستحبة لأنه لم يذكر أنها من أركان الصلاة أو واجباتها، إذ تمام الشيء أمر زائد على حقيقته التي لا يتحقق إلّا بها.
2-وهكذا في قول النبي ﷺ: "أَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلَاةِ" [مسلم435] من حديث أبي هريرة، وهذا يدل على أن إقامة الصفوف سنة وليست واجبة، لأنها لو كانت فرضا لم يجعله من حسن الصلاة، لأن حسن الشيء زيادة على تمامه، وذلك زيادة على الوجوب.
3-وقد جاء عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَدِمَ المَدِينَةَ فَقِيلَ لَهُ: مَا أَنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يَوْمِ عَهِدْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ؟ قَالَ: "مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا إِلَّا أَنَّكُمْ لاَ تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ" [البخاري724]. ولم يأمرهم أنس بإعادة الصلاة فدل هذا على أنّ التّراصَّ ليس من الواجبات، وتركه ليس مما يؤثر على صحة الصلاة، كما هو مذهب جماهير أهل العلم من السلف والخلف، وهو قول الأئمة الأربعة، وإنما قال بوجوبه ابن حزم الظاهري وقد خالفه علماء الشريعة.
4-ومن الأدلة على أن تسوية الصفوف سنة ليست بواجب ما جاء عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: "زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلاَ تَعُدْ"[البخاري783].
والنهي يقتضي الفساد، وعذره فيما فعله لجهله بتحريمه، وللجهل تأثير في العفو، ويؤخذ من ذلك عدم لزوم الإعادة.

فإذا وُجد عذر مثل الأمراض والأوبئة التي تنتقل للناس بالعدوى، كمرض كورونا المنتشر حالياً، فالذي يظهر- والله أعلم- جواز صلاة الجماعة مع وجود مسافات بين المصلين إذا كان هذا مما يساعد في الوقاية من الإصابة بالعدوى، ويحد من تناقل وانتشار الوباء بإذن الله.

وقد أوضح الشيخ الدكتور سعد الشثري -عضو هيئة كبار العلماء- أن التباعد بين المصلين لا يؤثر على صحة الصلاة؛ لأنه من الإجراءات الاحترازية التي تُحمى بها النفوس ويوقف انتشار المرض، حيث قال: "إن اتخاذ الإجراءات الاحترازية التي تُحمى بها النفوس ويوقف بها انتشار المرض من القربات التي يتقرب بها إلى الله عز وجل .

رابط مراجع تلخيص المسألة