قسم العبادات
حكم صلاة الغائب من البيت على موتى كورونا
مسألة مشروعية صلاة الغائب الأصل فيها ما ورد في الصحيحين: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا).
وقد اختلف العلماء القائلون بمشروعية الصلاة على الغائب على ثلاثة أقوال:
القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه تشرع الصلاة على كل غائب عن البلد، ولو صُلِّي عليه في المكان الذي مات فيه.
القول الثاني: أنها تشرع الصلاة على الغائب بشرط ألا يكون قد صُلِّي عليه في المكان الذي مات فيه، فإن صُلِّي عليه فلا تشرع صلاة الغائب عليه، لأن الرسول ﷺ لم يصل على كل غائب، إنما صلى على شخص واحد وهو النجاشي، وكان مات في الحبشة وهي في يد النصارى ذاك الوقت.
وهذا القول رواية عن الإمام أحمد، واختارها الشيخ السعدي وبه أفتت اللجنة الدائمة.
القول الثالث: أنه تشرع الصلاة على الغائب إذا كان له نفع للمسلمين، كعالم أو مجاهد أو غني نفع الناس بماله ونحو ذلك، كما صلى النبي ﷺ على النجاشي.
وهذا القول رواية أخرى عن الإمام أحمد، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ومال إليها من المتأخرين: الشيخ ابن عثيمين.
وبسبب التدابير الوقائية التي تتخذها المملكة العربية السعودية للحد من عدوى انتشار فايروس كورونا، ومنها فرض التباعد الاجتماعي، وتنظيم التجمعات البشرية التي تكون سببًا مباشرًا في تفشي فيروس (كورونا) المستجد، والحد منها، بما يضمن الحيلولة دون تفشي الفيروس.
فقد عرض معالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ على سماحة المفتي العام للمملكة رئيس هيئة كبار العلماء والرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ عددا من المسائل بناءً على ما ورد للوزارة من استفسارات المواطنين بخصوص حكم الصلاة على الميت في ظل هذه الظروف التي يشهدها العالم أجمع، فكانت إجابته على النحو التالي:
- يُصلى على الجنازة في المقبرة من بعض أقاربهم، وقد أدوا بصلاتهم فرض الكفاية، وأما بقية أقارب الميت فيصلون في بيوتهم على ميتهم صلاة الغائب.
- لا حرج في الصلاة على الغائب في بيوت متعددة لكثرة أقاربه، حتى لا يحصل الاجتماع الذي ربما بسببه ينتشر هذا الوباء الخطير.
- يجوز لأقارب المتوفى أن يصلوا عليه عند قبره بعد ارتفاع هذا المرض، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله مر بقبر قد دفن ليلاً، فقال: متى دفن هذا؟ قالوا: البارحة، قال: أفلا آذنتموني؟ قالوا: دفناه في ظلمة الليل فكرهنا أن نوقظك، فقام، فصففنا خلفه، قال ابن عباس: وأنا فيهم فصلى عليه.
ويصلى على قبر الميت بعد ارتفاع المرض ولو طالت المدة على الصحيح من أقوال العلماء لأنه لا دليل على التحديد بمدة والله أعلم.
رابط مراجع تلخيص المسألةقسم العبادات
حكم إقامة صلاة العيد في البيوت بسبب إجراءات الحظر للتقليل من تفشي فايروس كورونا
من النوازل الفقهية عدم إقامة صلاة العيد في المصليات والمساجد بسبب جائحة فايروس كورونا المستجد، فهل يشرع إقامتها في البيوت فرادى أو جماعات؟
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز أداء صلاة العيد في البيوت، وخالف في ذلك الحنفية فقالوا لا يصليها وحده إن فاتت مع الإمام وبه أخذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وقد اختلف المعاصرون في حكم صلاة العيد في البيوت نتيجة إجراءات التباعد الاجتماعي التي فرضتها الدول لمنع تفشي الوباء وانتقاله بين الأفراد على قولين:
القول الأول:
مشروعية إقامة صلاة العيد في البيوت وإن اختلفوا في صفتها إلى فريقين:
الفريق الأول: وهم الأكثرون على أنها تصلى كصلاة العيد في صفتها وعدد ركعاتها بلا خطبة، وهو قول لأكثر المعاصرين ، و ممن قال به المفتي العام للملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ ، ودار الإفتاء المصرية ، ومجلس الإمارات للإفتاء الشرعي ، وغالبية العلماء المعاصرين.
واستدلوا على ذلك:
1. أنه إذا كان القضاء مستحباً في حق من فاتته الصلاة مع الإمام الذي أدى صلاة العيد بالمسلمين فمن باب أولى أن تكون إقامتها مشروعة في حق من لم تقم صلاة العيد في بلدهم.
2. ولأن في ذلك إقامة لتلك الشعيرة حسب الاستطاعة ، والله تعالى يقول : "فاتقوا الله ما استطعتم" التغابن: ١٦ .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ). خرجه البخاري في "صحيحه" (9 / 94) برقم: (7288) ومسلم في "صحيحه" (4 / 102) برقم: (1337).
وصفة صلاة العيد ركعتان يكبر في الأولى تكبيرة الإحرام، ثم يُكبر بعدها ست تكبيرات أو سبع تكبيرات لحديث عائشة رضي الله عنها: " التكبير في الفطر والأضحى الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرتي الركوع " رواه أبو داود وصححه الألباني في إراواء الغليل ( 639 ).
ثم يقرأ الفاتحة ، ويقرأ سورة " ق " في الركعة الأولى ، وفي الركعة الثانية يقوم مُكبراً فإذا انتهى من القيام يُكبر خمس تكبيرات ، ويقرأ سورة الفاتحة ، ثم سورة " اقتربت الساعة وانشق القمر " فهاتان السورتان كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما في العيدين ، وإن شاء قرأ في الأولى بسبح وفي الثانية بـ " هل أتاك حديث الغاشية " فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيد بسبح اسم ربك الأعلى والغاشية
الفريق الثاني: أنها تصلى في البيوت أربع ركعات بلا خطبة ولا تكبيرات زوائد إن شاء صلاها أربعا بسلام واحد أو صلاها مثنى مثنى بسلامين، وهذه الصفة ذكرها ابن قدامة في المغني وأخذ بها بعض المعاصرين.
واستدلوا على ذلك:
بما روي عن ابن مسعود –رضي الله عنه- من غير وجه : أن من فاتته صلاة العيد مع الإمام صلى أربع ركعات .
عن الثوري ، عن مطرف ، عن الشعبي قال : قال عبدالله :"من فاته العيدان فليصل أربعاً" مصنف عبدالرزاق الصنعاني (3/300)
عن علي –رضي الله عنه- : أنه أمر من يصلي بضعفة الناس في المسجد أربعاً، ولا يخطب بهم. أخرجه ابن أبي شيبة (2/185) ، البيهقي (3/310) وفيه ضعف
القول الثاني:
عدم إقامتها في البيوت، وهذا القول ذهب إليه بعض المعاصرين.
واستدل على ذلك:
لأنها شرعت على هذا الوجه؛ لحديث أم عطية ، فعَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ فِي الْعِيدَيْنِ ، فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ ، فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ ، فَحَدَّثَتْ عَنْ أُخْتِهَا ، وَكَانَ زَوْجُ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ، وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتٍّ ، قَالَتْ: كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى ، وَنَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى ، فَسَأَلَتْ أُخْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لَا تَخْرُجَ قَالَ: لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا ، وَلْتَشْهَدِ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ".
فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ سَأَلْتُهَا: أَسَمِعْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: بِأَبِي نَعَمْ ، وَكَانَتْ لَا تَذْكُرُهُ إِلَّا قَالَتْ بِأَبِي ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: يَخْرُجُ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ ، أَوِ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ ، وَالْحُيَّضُ ، وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ ، وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى" أخرجه البخاري في "صحيحه" (1 / 72) برقم: (324)
وجه الدلالة : أن صلاة العيد لو كانت تصح في البيت لأمر المرأة أن تصلي في بيتها، لكن للشارع الحكيم مقصد في مثل هذا الاجتماع العظيم.
ولعل السبب في اختلافهم: يرجع إلى حكم قضاء صلاة العيد لمن فاتته، فمن يرى مشروعية قضائها، قال بجواز إقامتها في البيوت، ومن يرى عدم قضائها قال بعدم مشروعية صلاتها في البيوت.
ولعل الأرجح في مثل هذه النازلة القول بمشروعية أدائها في البيوت على نفس صفتها التي تصلى بها في المساجد بدون خطبة؛ ذلك أن تخلف الناس عن أدائها في المصليات أو المساجد كان لعذر فرض إجراءات التباعد الاجتماعي الذي يحد من انتشار المرض، فلم يكن تخلفهم عنها تكاسلا أو تهاوننا أو استخفافا بهذه الشعيرة العظيمة. ولهذا قال غالبية المعاصرين أنها تؤدى في البيوت.
رابط مراجع تلخيص المسألةقسم العبادات
حكم الصلاة مع تباعد الصفوف خوفاً من العدوى بسبب الأوبئة
لقد أولى الإسلام صفوف المصلين عناية كبيرة، حيث أمر بتسوية الصفوف، وأظهر فضيلة تسويتها، والاهتمام بها .
وتسوية الصف لها عدة معاني، منها:
1-تسوية الصف الواجبة؛ وهي: ألا يتقدم أحد على أحد، لا بصدره، ولا بكعبه .وهذه تسمى تسوية المحاذاة.
2-التَّراصُّ في الصَّفِّ، فإنَّ هذا مِن كماله، وكان النبي ﷺ يأمر بذلك، ونَدَبَ أمَّتَهُ أن يصفُّوا كما تصفُّ الملائكةُ عند ربِّها، يتراصُّون ويكملون الأول فالأول، ولكن المراد بالتَّراصِّ أن لا يَدَعُوا فُرَجاً للشياطين، وليس المراد التَّزاحم؛ ولهذا كان النبي ﷺ يقول : "أَقِيمُوا الصُّفُوفَ، فَإِنَّمَا تَصُفُّونَ بِصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ، وَلِينُوا فِي أَيْدِي إِخْوَانِكُمْ، وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ" [مسند أحمد5724] اسناده صحيح، من حديث عبد الله بن عمر.
3-إكمالَ الأول فالأول، فإنَّ هذا مِن استواءِ الصُّفوف، فلا يُشرع في الصَّفِّ الثاني حتى يَكمُلَ الصَّفُّ الأول، وقد نَدَبَ النبي ﷺ إلى تكميل الصفِّ الأول فقال: "لو يعلم الناسُ ما في النِّداءِ والصَّفِّ الأولِ؛ ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتَهِمُوا عليه لاسْتَهَمُوا"[مسلم 437] من حديث أبي هريرة. يعني : يقترعون عليه.
4-ومِن تسوية الصُّفوف التقاربُ فيما بينها، وفيما بينها وبين الإِمام؛ لأنهم جماعةٌ، والجماعةُ مأخوذةٌ مِن الاجتماع: ولا اجتماع كامل مع التباعد، فكلما قَرُبَت الصُّفوفُ بعضها إلى بعض كان أفضل، وقد جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي، وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ، وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ" [البخاري725].وحَدُّ القُرب: أن يكون بينهما مقدار ما يَسَعُ للسُّجودِ وزيادة يسيرة.
5-مِن تسوية الصُّفوفِ وكمالها: أن يدنوَ الإِنسانُ مِن الإِمامِ؛ لقول النبي ﷺ: "لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم"[مسلم432] من حديث أبي مسعود، وكلَّما كان أقربَ كان أَولى.
وتسوية الصفوف مستحب وليس واجب، حيث إن هناك العديد من الأدلة التي تؤكد ذلك، وهذا ما ذكره جمهور أهل العلم، فهي لا تؤثر في صحة الصلاة، خصوصاً إذا كان هناك عذر يستدعي التباعد.
ومن هذه الأدلة:
1-عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ : " سَوُّوا صُفُوفَكُمْ ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ " [مسلم 433] ، وفي رواية للبخاري [723 ] :" سَوُّوا صُفُوفَكُمْ ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاةِ". وهذا يدل على أن هذه الإجراءات مستحبة لأنه لم يذكر أنها من أركان الصلاة أو واجباتها، إذ تمام الشيء أمر زائد على حقيقته التي لا يتحقق إلّا بها.
2-وهكذا في قول النبي ﷺ: "أَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلَاةِ" [مسلم435] من حديث أبي هريرة، وهذا يدل على أن إقامة الصفوف سنة وليست واجبة، لأنها لو كانت فرضا لم يجعله من حسن الصلاة، لأن حسن الشيء زيادة على تمامه، وذلك زيادة على الوجوب.
3-وقد جاء عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَدِمَ المَدِينَةَ فَقِيلَ لَهُ: مَا أَنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يَوْمِ عَهِدْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ؟ قَالَ: "مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا إِلَّا أَنَّكُمْ لاَ تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ" [البخاري724]. ولم يأمرهم أنس بإعادة الصلاة فدل هذا على أنّ التّراصَّ ليس من الواجبات، وتركه ليس مما يؤثر على صحة الصلاة، كما هو مذهب جماهير أهل العلم من السلف والخلف، وهو قول الأئمة الأربعة، وإنما قال بوجوبه ابن حزم الظاهري وقد خالفه علماء الشريعة.
4-ومن الأدلة على أن تسوية الصفوف سنة ليست بواجب ما جاء عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: "زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلاَ تَعُدْ"[البخاري783].
والنهي يقتضي الفساد، وعذره فيما فعله لجهله بتحريمه، وللجهل تأثير في العفو، ويؤخذ من ذلك عدم لزوم الإعادة.
فإذا وُجد عذر مثل الأمراض والأوبئة التي تنتقل للناس بالعدوى، كمرض كورونا المنتشر حالياً، فالذي يظهر- والله أعلم- جواز صلاة الجماعة مع وجود مسافات بين المصلين إذا كان هذا مما يساعد في الوقاية من الإصابة بالعدوى، ويحد من تناقل وانتشار الوباء بإذن الله.
وقد أوضح الشيخ الدكتور سعد الشثري -عضو هيئة كبار العلماء- أن التباعد بين المصلين لا يؤثر على صحة الصلاة؛ لأنه من الإجراءات الاحترازية التي تُحمى بها النفوس ويوقف انتشار المرض، حيث قال: "إن اتخاذ الإجراءات الاحترازية التي تُحمى بها النفوس ويوقف بها انتشار المرض من القربات التي يتقرب بها إلى الله عز وجل .
رابط مراجع تلخيص المسألةقسم العبادات
حكم الاعتكاف في البيت بسبب جائحة كورونا
أولا: مشروعية الاعتكاف:
الاعتكاف مشروع بالكتاب والسنة والإجماع.
1) الكتاب:
• قال تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [البقرة:125].
• وقال تعالى: (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) [البقرة:187]
2) السنة:
فأحاديث كثيرة؛ منها: حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ) [رواه البخاري (2026)، ومسلم (1172). [
3) الإجماع:
فقد نقل غير واحد من العلماء الإجماع على مشروعية الاعتكاف، كالنووي وابن قدامة وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم.
ثانيا: حكم الاعتكاف:
الأصل في الاعتكاف أنه سنة وليس بواجب، إلا إذا كان نذرا فيجب، والدليل على ذلك:
• قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ) [رواه البخاري) 6696)].
• عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّ عُمَرَ سألَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: كنتُ نَذَرْتُ في الجاهليَّةِ أن أعتكِفَ ليلةً في المسجِدِ الحَرامِ. قال: فأوفِ بِنَذرِك) [رواه البخاري (2032)، ومسلم (1656)].
قال ابن المنذر: "وأجمعوا على أن الاعتكاف سنة لا يجب على الناس فرضا إلا أن يوجبه المرء على نفسه نذرا؛ فيجب عليه".
ثالثًا: حكم الاعتكاف في البيت بسبب جائحة كورونا:
الاعتكاف من الأعمال المشروعة في العشر الأواخر من رمضان للرجال والنساء ، وهو سنة بما ثبت عن النبي ﷺ وعن أزواجِهِ، وأصحابِهِ.
إلّا أنّ العلماء قد أجمعوا على أن اعتكاف الرجل والمرأة لا يكون إلا في المسجد، واستدلُّوا لذلك بقول الله سبحانه: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: 187]، وبفعل النبي ﷺ؛ فإنّه لم يعتكف رسول الله ﷺ إلا في مسجده.
وعلى هذا؛ فلا يُشرعُ الاعتكافُ في البيت في العشر الأواخر؛ لما سبق.
ولزوم الرجل والمرأة البيت: لا يُعدّ اعتكافًا شرعيًّا، لكنْ لهما ثوابُ التّفرُّغ للذّكر والعبادة وتلاوة القرآن.
وهو مذهب جماهير العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
وفي المسالة قول آخر؛ وهو قول قال به بعضِ المالكية: أنّه يجوز للرّجلِ الاعتكاف في غير المسجد، وعند بعض الحنفية أنه يجوز للمرأة الاعتكاف في مسجد بيتها خوفًا عليها من الفتنة، ولكراهة خروجها عندهم إلى المسجد.
وقد ذهب إلى هذا القول بعض المعاصرين، فاشترط بعضهم أن يكون اعتكافه في مسجد بيته ومصلاه، ولم يشترط ذلك آخرون.
ودليلهم: أنّ هذه الجائحة لم تترك للمعتكف الخيار بين البيت والمسجد، وقد امتنع جميعُ الناس عن ذلك بسبب الحظر المنزليّ؛ فجاز ذلك للتّيسير عليهم؛ على النّحو المذكور آنفًا.
وما ذهب إليه الجمهور: أصحُّ؛ لما سبق.
والله أعلم.
قسم العبادات
أثر الحظر في وقت إخراج زكاة الفطر
ذهب الجماهير من أهل العلم إلى أن زكاة الفطر واجبة على كلِّ مسلم، بل ونقل الإجماع في ذلك.
ومع أن الجماهير على حرمة تأخريها عن يوم العيد إلا أنهم رخصوا لمن كان له عذر، ومن الأعذار التي ذكروها :انتظار قريب، أو غيبة ماله أو المستحقين في ذلك الوقت.
ويلحق بها الخوف على نفسه أو ماله، والحظر مندرج تحت ذلك، فلو فرض الحظر يوم العيد، ومنع الناس من الخروج لتوزيع زكاتهم، فلا حرج عليهم في تأخريها عن يوم العيد، مع أن الأولى في حق من علم بأن الحظر سيفرض يوم العيد، أن يعجِّل بها قبل العيد بيوم أو يومين، وبذلك يخرج من دائرة التحريم، بل ويوافق السنة في الرخصة بإخراجها قبل العيد بيوم أو يومين.
وقد ذكر الشيخ سعد الخثلان - حفظه الله- : أن تقديم إخراج زكاة الفطر في أول رمضان لا يجوز على القول الراجح؛ لأن زكاة الفطر ورد الشرع بإخراجها في نهاية رمضان إلى صلاة العيد، ثم إن تقديم إخراجها ينافي الحكمة من مشروعيتها؛ لأن المقصود هو إغناء الفقراء عن السؤال يوم العيد..... فمقصود الشارع لا يتحقق فيما إذا أخرجت الزكاة في أول رمضان.
وأما من قال: بأنّ هناك أناسًا محتاجين؛ فإن زكاتهم تُسدُّ بزكاة المال، وهي تبذل من المسلمين كثيرًا في هذا الشهر، وكذا من الصدقات والتبرعات، والمساعدات، لكنّ زكاة الفطر هي عبادة مخصوصة بوقت يبدأ من غروب شمس اليوم الثامن والعشرين من شهر رمضان إلى صلاة العيد.
ونص الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- على قاعدة في ذلك، وهي أنّ: الإنسان إذا فعل العبادة المؤقتة قبل وقتها فإنها لا تصح .
وعلى كل حال؛ فقد عهدنا أن الجهات المختصة ترعى مثل هذا الأمر، ونأمل أن يكون إخراجها متيسرًا بطريق معتبر.
فإن لم يكن؛ فعلى ما سبق من أن إخراجها لا يسقط بفوات وقتها عند الحاجة؛ فيجب إخراجها متى ما تيسر ولو كان ذلك بعد العيد عند فكِّ الحظر.
رابط مراجع تلخيص المسألة