قسم العبادات
صلاة التراويح والقيام برمضان في البيت بسبب جائحة كورونا
قيام رمضان من آكد السنن وأفضلها وقد ورد في فضل ذلك الأحاديث الصحاح فقيام الليل مشروع في جميع الأيام وهو في ليالي رمضان أكثر تأكيدا وفضلا، وقد تواترت النُّصوص من الكتاب والسنَّة بالحثِّ على قيام الليل، وثبت في - صحيح مسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: ((أفضَلُ الصلاة بعدَ المكتوبة - يعني: الفريضة - صلاة الليل)) وفي حديث عمرو بن عبسة الصحيح قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أقرَبُ ما يكون الربُّ من العبدِ في جوف الليل الآخِر، فإن استَطعتَ أن تكون ممَّن يذكر الله في تلك الساعة فكن)).
وفي "صحيح مسلم" عن جابر - رضِي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مِن الليل ساعةٌ لا يُوافِقها عبدٌ مسلم يَسأَل الله خيرًا إلا أعطاه إيَّاه، وهي كلَّ ليلة))
وقيام الليل في رَمضان من الشَّعائِر العظيمة التي سنَّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله وفعله، ورغَّب فيها؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن قام رَمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه)
وقيام رَمضان شاملٌ للصلاة، في أوَّله وآخِره، والتراويح من قيام رَمضان، وثبَت في الصحيح عن عائشة - رضِي الله عنْها - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّى في المسجد من جوف الليل، فصلَّى بصلاته ناسٌ من أصحابه ثلاثَ ليالٍ، فلمَّا كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله - أي: امتلأ من الناس - فلم يخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلمَّا أصبح قال - صلى الله عليه وسلم -: ((قد رأيتُ الذي صنَعتُم، ولم يمنعني من الخروج إليكم إلاَّ أنِّي خشيتُ أن تفرض عليكم))[13]، وذلك في رَمضان.
فصلاة التراويح سُنةٌ سنَّها النبي - صلى الله عليه وسلم، ثم تركها خشيةَ أن تُفرض على المسلمين، وبقي الناس يصلون متفرقين في عهده - عليه الصلاة والسلام، وفي خلافة أبي بكر، فلما كانت خلافة عمرَ جمَعَهم على إمامٍ واحدٍ، فأحيا بذلك سنةَ النبي - صلى الله عليه وسلم، وقد أجمعَ المسلمون في زمنه وبَعده على استحبابها.
والأصل في النوافل أنها تستحب في البيوت وتجوز في المساجد وقد قسم بعض العلماء صلاة النافلة إلى ثلاثة أقسام من حيث أدائها في البيت أو المسجد، فذكروا أن النوافل على ثلاثة أقسام
القسم الأول: ما يكون الأولى أداؤها في خفاء وانفراد، ويستحب أداؤها في البيت، وهي أغلب النوافل الراتبة وغير الراتبة.
القسم الثاني: ما لا يتأتى في غير المسجد، كتحية المسجد، ومنه ما يندب كونه في المسجد الحرام، وهو ركعتا الطواف.
والقسم الثالث: ما يعتبر من الشعائر الظاهرة التي يستحب إظهارها وإعلانها وأداؤها في جماعة، وهي: صلاة العيدين، وصلاة الكسوف، وصلاة الاستسقاء.
وقد وقع الخلاف بين الفقهاء في صلاة التراويح وفي أي الأقسام تندرج:
فذهب بعض الفقهاء إلى ضم صلاة التراويح مع نوافل القسم الثالث فجعلوها من الشعائر الظاهرة التي يستحب أداؤها في المسجد جماعة، وذهب بعضهم إلى عدم اعتبارها من الشعائر الظاهرة.
لذا اختلف الفقهاء في الأفضل؛ هل صلاتها في البيت على انفرادٍ أم في جماعة بالمسجد؟ على أقوال أبرزها:
القول الأول: ما ذهب إليه جمهور الفقهاء وهو أن الأفضل أداؤها في المسجد جماعة، قال بهذا: أبو حنيفة والشافعي وجمهور أصحابه وأحمد وبعض المالكية، فقالوا: "الأفضل صلاتها جماعة في المسجد كما فعله عمر بن الخطاب والصحابة رضي الله عنهم واستمر عمل المسلمين عليه لأنه من الشعائر الظاهرة فأشبه صلاة العيد".
القول الثاني: ما ذهب إليه الإمام مالك والشافعي وأبو يوسف وبعض الشافعية، فقالوا: الأفضل فرادى في البيت.
واستدل هؤلاء بقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة"
القول الثالث: ما ذهب إليه الحنفية فقالوا: صلاة التراويح جماعة في المسجد سنة على الكفاية، حتى لو أقامها البعض في المسجد بجماعة وباقي أهل البلدة منفرداً في بيته لا يكون تاركاً للسنة، وحجتهم في ذلك ما يروى عن أفراد الصحابة والتابعين تخلفهم عن جماعة التراويح، يروى ذلك عن ابن عمر وعروة وسالم والقاسم وإبراهيم ونافع فدلّ فعلُ هؤلاء أن الجماعة في المسجد سنة على سبيل الكفاية إذ لا يظن بابن عمر رضي الله عنهما ومن تبعه تَرْك السنة، قالوا: ولو ترك أهل المسجد كلهم إقامتها في المسجد بجماعة فقد أساؤوا وأثموا.
القول الخامس: التفصيل، حيث يرى أصحاب هذا القول أن صلاتها في البيت أفضل في حالة، وفي المسجد أفضل في حالة، وهذا مذهب المالكية وبعض الشافعية وبعض الحنفية.
قال المالكية: الجماعة مستحبة؛ لاستمرار العمل على الجمع من زمن عمر رضي الله عنه، والانفراد فيها طلباً للسلامة من الرياء أفضل، بشروط:
1 – أن لا تُعطّل المساجد، فإن خيف من الانفراد بالتراويح التعطيل فالمساجد أفضل.
2 – أن ينشط لفعلها في بيته، وإلا ففعلها في المسجد أفضل.
والراجح: جواز أدائها في البيت بحيث مَنْ أدّاها منفرداً أو مجتمِعاً في البيت لا يكون مسيئاً، إلا أنّ أداءها في المسجد جماعة هو الأفضل، وذلك لوجهين:
أولهما: أنه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، حيث اجتمع له الناس فصلى بهم ليلتين أو ثلاث جماعة، وما تركها إلا خشية أن تفرض عليهم، وما خشاه النبي عليه الصلاة والسلام غير وارد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
والوجه الثاني: أنّ أداءها جماعة في المسجد هو سنّة جماعة المسلمين، فهو الذي استحبه الصحابة ووافقوا عليه سيدنا عمر رضي الله عنهم، حتى إن علياً رضي الله عنه صار يدعو لعمر بذلك كما ورد عنه أنه مرّ على المساجد وفيها القناديل في شهر رمضان، فقال: "نور الله على عمر قبره، كما نور علينا مساجدنا"، وهو الذي سار عليه التابعون لهم بإحسان، وهو الذي اختاره الأئمة الأربعة وأصحابهم، وهو الذي استمر عليه العمل، أنْ تؤدَّى صلاة التراويح في المساجد.
ولكن هذا التوجيه السابق إن لم يكن هناك ما يمنع من أدائها في المساجد كخوف انتشار وباء ونحوه بسبب اجتماع الناس فيها كما هو الحاصل الآن في عموم أقطار العالم، فإذا وجد ما يمنع اجتماع الناس عليها خشية عليهم وعلى أبدانهم فإنها تصلى في البيوت فرادى أو جماعات، لثبوت السنة بذلك ولا يعني تعطيلها لعذر في المساجد أن تترك في البيوت، والله أعلم.
رابط مراجع تلخيص المسألة